نشأت في عائلة طبية بشكل كامل. الأب طبيب، الأخوة أطباء أو يدرسون الطب. الأعمام أطباء، والخال طبيب، كذلك يمتد الأمر إلي أبناء وبنات الأعمام والخال. تقريباً كنت الفاشل الوحيد الذي اختار في الجامعة دراسة غير علمية. كانت المعلومات الطبية جزء من الأحاديث اليومية والأسرية في العائلة. وعبر مسيرة الواحد كونت حصيلة بسيطة من القراءات والمعرفة عن جسدى وطريقة عمله. وحتى أيم قليلة كنت أظن أنى أعرف على الأقل أهم المعلومات الصحية وكيفية عمل أعضاء جسدى، حتى اكتشفت منذ أسبوعين مدى جهلي بالكثير عن أهم أعضاء جسدى.

داهمني منذ فترة ألم خفيف في منطقة الخصية، تحديداً الخصية اليسري. كان الألم خفيفاً لكنه مستمر، لم يصاحبه أي أعراض أخري. استمر الأمر لعدة أيام وفي النهاية قررت زيارة الطبيب. كانت المفاجأة الأولى حينما أخبرنى طبيب المعاينة الأولي والذي يكتب بعد ذلك التحويل إلي الطبيب المتخصص بأننى احتاج إلي طبيب مسالك بولية، وليس أمراض ذكورة. حيث أن أمراض الذكورة لا تتعلق إلا بعمليات الإخصاب والتأكد على قدرة الذكر أن يكون ديك قادر على التلقيح.
تشخيص الحالة كان دوالي في الخصية، لكن الحديث مع الطبيب وكمية البحث التي قمت به في رحلة العلاج، كشف لى عن عالم كامل من أمراض الذكورة والجهاز التناسلي لدى الذكور لا أعرف عنه أي شيء. معلوماتي بشكل أساسي كانت تقف حول الأمراض التناسلية المعدية وكيفية الوقاية منها، كل ما غير ذلك مغيب ومعمم. تبدى لى صرح الجهل والتعميم عن كل الأمراض المتعلقة بالعضو الذكوري، حينما جاء الطبيب على ذكر حامل الخصية، فانفجرت في الضحك حيث كنت أظنه خرافة بينما اتضح كونه أداة طبية مساعدة تستخدم في بعض الحالات.
** *
لا يتحدث الذكور في جلساتهم الخاصة عن شيء أكثر من حديثهم عن الجنس. حديث الذكور عن الجنس هو حديث المعارك والانتصارات والتباهى بالأوضاع والقدرة على الانتصاب لفترة طويلة وتأخير القذف السريع. لكن يخلو هذه الحديث من لحظات الضعف والاضطراب. تستمد الذكورة جوهر وجودها من العضو الذكري. وفي مصر كما معظم البلدان العربية حيث الذكورة مستفحلة ومسيطرة، لا يقبل الذكر الحديث أو التطرق لأى ضعف خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بمنبع ذكورته. وحيث أننا في عالم ومجتمع ذكوري كما علمتنى الكتابات النسوية، فذات القواعد تسير وتؤثر على الذكور أنفسهم وعلى برامج التوعية الصحية وتوجهاتها في المجتمع.
الطبيب أثناء حديثنا كان يكثر من ترديد جملتين أساسيتين بلا داعي. الأولى هي “لا مؤخذة” والثانية “مش عايزك تقلق أبداً، كل الرجالة عندهم الموضوع دا لكنهم لا يقولون”.
خلال الأسابيع الماضية بعد اكتشاف الإصابة وبدأ رحلة العلاج الدوائي، بدأت في فتح الأمر مع دوائر الذكور الأصدقاء المقربين، وكان مؤسف أن أجد الجهل بكل هذه المسائل مستفحلاً. وبينما نجد اللافتات والحملات الإعلامية والدعائية المجانية لفحص الثدي والتوعية بكل الأمراض الأنثوية التي قد تصيب النساء، لا نجد أي دعاية خاصة بأمراض الذكورة أو البروستاتا أو مشاكل دوالي الخصية. والتي تذكر الاحصائيات أنها منتشرة لدى أكثر من 40% من الراجل.
لقد صدمت من كمية القصص الغرائبية التي سمعتها من أصدقاء ذكور حول الجرائم والكوارث التي يرتكبونها في حق أعضائهم نتيجة غياب المعلومات والجهل بأساليب الفحص المختلفة. صديق حكى لى أن مرة بتجربة دوالي الخصية قبل ذلك، لكنه تجاهل الأمر واعتبر أن الألم الخفيف في الخصية دليل على نشاطه الجنسي وامتلاء خصيته بالحيوانات المنوية (نموذج بسيط لتوضيح كيف تتخيل الذكورة ذاتها)، وبالتالي فالعلاج الذي تفتق ذهنه عنه هو الإكثار من ممارسة الجنس، الأمر الذي أدى إلى تطور الأمر نتيجة زيادة معدلات ضخ الدماء في الشرايين والأوردة. حتى وصل الأمر لمرحلة لم يستطيع معه تحملها، وأصبح عائقاً لدى الاتصال الجنسي، حينها فقط ذهب متأخراً للطبيب بعدما استفحلت الحالة. صديق آخر عبر من تجربة الدوالي، ظل متحاملاً على الألم حتى ذات يوم كان يتبول في حمام عام مد يده يتحسس مكان الألم، وقرر لسبب ما أن يضغط عليه معتقداً أن ضغطه عنيفة قد تريح خصيتيه من الألم لكن بدلاً من ذلك انفجر ألم ضخم في كل جسمه، وشعر بدوار حتي أنه كاد أن يفقد وعيه.
في كل برامج وكتيبات التوعية الجنسية تركز على فعالية القصيب وخصوبة الرجل أو الجابة على أسئلة الذكور الغارقة في الفانتازيا حول كيفية تكبير القضيب أو الحصول على انتصاب دائم، لكن لا توجد أي إشارات أو تعليمات حول سبل صيانة ورعاية القضيب ومشتملاته. صديق ثالث حكي كيف أنه أثناء ممارسة الجنس، مارس وضع ما خاطئ حيث عوج قضيبه بشكل ما، شعر بألم مفاجئ وشاهد قضيب نافر في قضيبة وقد ظهر عليه أثر كدمة. شعر برعب ولم يعرف ماذا يفعل ومن خجله أجل زيارته للطبيب ولم يعرف من هو الطبيب المختص الذي عليه زيارته وبعد يومين تحت ضغوط أصدقائه ذهب للطبيب، لكنه مع ذلك ظل رافضاً أن يخلع أمام الطبيب وهو يحكى حينما لاحظ اندهاشي قال معلقاً (أصل احنا صعايده) والنتيجة بعد حديث وتفاوض مع الطبيب شخص حالته بأنها جلطة في القضيب، وأخبره أن الأمر بسيط ولا داعى لقلق. ضحكنا جميعاً على حكاية الصديق بعدما انتهى منها، لكن خمسة ذكور كانوا في الجلسة أعمارهم تمتد من أول الأربعينات حتي منتصف العشرينات لم يكونوا يعرفون أن هناك شيء اسمه جلطة في القضيب.
