خطيئة الخيال الواسع

والحكاية أن حمودة من عائلة من أقدم سكان الدقي، من زمان كانت فيه أرض زراعية وقد ورثت العائلات عشرات العقارات المتنوعة التي تعيش حتى الآن على ريعها إلى جانب تجارتها في مجال قطع غيار السيارات. وفي سن السابعة بينما كان خاله يعلمه قواعد لعب الكوتشينة، اتفقا على اللعب على الهدوم وبالطبع خسر حمودة فخلع كل ملابسه، في النهاية قال له الخال الشاب: “معدش فيه هدوم بعد كدا، اللى يكسب “البولة” دى ينيك الثانى”.

كان حمودة يعرف أن النيك معناه أن يضع أحدهم شيئاً ما في مؤخرتك، وهو أمر يعزز المكانة الاجتماعية ومعيار للتباهى الذكورى والفشخرة. وبالتأكيد فخاله يهدده على سبيل الهزار، أو لعبة من لعب الكبار. لكنه خسر “البولة”. ابتسم الخال وطلب من الاستلقاء على بطنه على الأرض. أطاع الولد كأى ولد يطيع الكبار. لم يكن الخال رقيقاً، ففزع حمودة، حاول الصراخ لكن الخال كمم فمه بيده، فعض يده وهو يحاول تثبيته.

ذهب الولد باكياً وشرح لأمه ما حدث، لكن الأم لم تصدق ولأسباب تطول شرحها وتتعقد بالدراما الاجتماعية للأسر المُطلقة، فقد تخيلت أن  طليقها أبو حمودة هو من دفع الابن لعمل هذه التمثيلة كيداً فيها. أسكتت صرخته وهدأته ثم منحته جنيه لكى يذهب إلى “نادى رينالدو” حيث يمكنه أن يلعب الأتارى والبينج بونج. لكن عوضاً عن نادى رينالدو توجه حمودة لورشة الأب. كانت مشاعره قد هدأت وتعاملت الأم مع الأمر ككذبة، لكن الأب حينما سأل ابنه للمرة الثالثة: “أنت كويس ياض”. حكى لوالده كيف كان يلعب الكوتشينة مع خاله الشاب وخسر فجعله يخلع ملابسه وقال له “اللى هيخسر لازم يتناك”.

انفجرت القنبلة في عائلة “البلكى” والتي ينتسب لها الأب والأم المطلقان، وحتى لا يتطور الخلاف لما هو أعمق، وحيث أن حمودة كان معروفاً بالخيال الواسع ونسج المبالغات والأكاذيب، فقد تقرر الاستعانة بطبيب من العائلة للكشف على حمودة وتحديد إذا ما كان قد تعرض لاغتصاب أم لا. ولأسباب لا نعلمها مثل كل الأسباب في تلك القصة فقد أنكر دكتور هشام حدوث اغتصاب أو أي تحرش جنسي بحمودة، يمكن أن نخمن لصداقته بالخال أو حفاظاً على الشرف العائلي. هنا انهال العقاب عليه من الطرفين وعاش حياته للأبد في لعنة الكاذب. دون أن يبذل أي جهد لادعاء الصدق أو الكذب، لم يكن هناك أحد يثق في حمودة، لا وعوده، ولا حديثه، أو أخباره، كان حمودة الكاذب بألف ولام التعريف، ولم يجد هو بعد فترة أي سبب يدعوه لتغيير الأمر أو مكافحته، بل العكس انسجم مع الهوية الاجتماعية الممنوحة له ككاذب. وقد رأها صفة تحمى صاحبها من المشاكل وتكسبه الكثير من المميزات.

حينما سأل أدهم:

-أنت عرفت منين كل دا؟

هبت ريح باردة في الشارع، طوحت خصلات من شعر أدهم السوداء الطويلة، أزاحها ابن الصيدلى يتيم الأم، وقال:

-لم أطلب أن أعرف يا حمودة، لكنى رأيت.

 

Pieter_Bruegel_the_Elder_-_The_Cripples
لوحة: Pieter Bruegel : the Elder- The Cripples

اترك رد

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: