في أحياء هامشية وشوارع فرعية تقود إلى مقرات حكومية صغيرة وفرعية كمكاتب الشهر العقاري أو مكتب العمل أو الصحة، بدأ الأمر دون أن يلحظه أحد. من أصلا يسير في هذا البلد وهو ينظر لأعلى ليلاحظ الأمر. بل على الأرجح كانت الرائحة هي ما جعل الناس يتلفتون بحثا عن مصدرها.

يستيقظ سكان الشارع الهامشي ليجدوا قطة مذبوحة ومعلقة على عمود الإضاءة في الشارع. في بعض المناطق حدثت مشادات وخناقات بين الأفراد والعائلات بسبب الربط بين القطط المذبوحة المعلقة كالذبائح والأعمال السحرية. وفي المناطق ذات التركيبة الطائفية تحول الأمر إلى صراعات طائفية على طريقة من ذبح القطة لمن؟
بعد أيام قليلة تزايد الأمر، ذات صباح على طول كوبري أكتوبر تراصت القطط المذبوحة معلقة على أعمدة الإضاءة، وتقريبا في كل الأحياء والمناطق الراقية، قدر البعض عددها بأكثر من خمسة آلاف قطة مذبوحة.
قال محلل سياسي إنها رسالة سياسية واضحة، وفسر كاتب من المدافعين عن الدولة الأمر بمحاولة للنيل من هيبة الدولة، تحدثت ريهام سعيد عن أعمال سفلية لمصر. لكن الأزمة أنه بينما بدأت أجهزة النظافة والمحافظة في إنزال القطط من على العمدان، فخطة عملها لم تغط كل أجزاء المدينة ناهيك عن الجمهورية، بالتالي لم تعد المشكلة معرفة من يقوم بقتل القطط وما الغرض من تعليقها، بل لماذا لا تقوم الحكومة بإزالة هذه الجثث، وتتركها لتتعفن في الهواء الطلق لتنشر سحابة من النتانة والعفن على البلاد- خرج مسؤول من المحافظة وأطلق تصريحا بأن المحافظة والحكومة ليستا مسئولتين والقطط هي التي تنتحر، باسم يوسف تناول تصريح المحافظ وصنع منه سلسلة من الأفيهات الظريفة، فتحولت قضية القطط المشنوقة إلى قضية رأي عام، انشغل بها الناس لفترة، وأخذوا يصورون جثث القطط وأشكالا متخلفة لنتانة أجسادها المبقورة المعلقة على أعمدة الإضاءة.
مصر هي الشباب السمر. وعلى رأي عمرو دياب « انحيازي عمره ما كان انتهازي». فخرج شاب بيحب مصر، كالنمل من الجميعات الخيرية ومراكز دورات التنمية البشرية وقادوا مبادرة تحت شعار «إكرام القط دفنه»، لكن المشكلة أين يمكن أن ندفن القطط؟
ظهرت تقارير تصور الشباب الإيجابي وهو يدهن الرصيف وينزل القطط من على الأعمدة، لكنهم كانوا لا يجدون مكانا لدفن القطط فيتركونها في الشارع، فيخرج أصحاب المحال ليجروا وراءهم ويمنعوهم من إلقاء جثث القطط أمام محالهم.
لارتباط الأمر بالأعمال السفلية رفض الجميع دفن القطط في أراضيهم، ولم تنجح مبادرة «شباب بيحب مصر» في القضاء على نتانة الجو الناتجة عن تعفن جثث القطط المعلقة على أعمدة الإضاءة.
بعد شهر كان الموضوع إعلاميا قد تم هضمه من كل النواحي، ولم تعد أخبار ظهور قطط مذبوحة أو مشنوقة معلقة على الأعمدة تثير الاهتمام. أما رائحة النتانة في الجو فاستقبلها المصريون كقدر على حياتهم واختبار لصبرهم واحتسابهم مثل السحابة السوداء، والتلوث الضوضائي، والزحام، وأحمد موسى.
مضى نهر الحياة في مصر ولكن بمزيد من النتانة فقط. ثم بعد شهرين آخرين، بدأت القطط المصرية التي عاشت في هذا الوادى لآلاف السنين في الاعتراض على المذبحة التي تتعرض لها، خصوصا كل المتهمين بعملية قتل وشنق القطط. كان يتم الإفراج عنهم وتمنحهم المحكمة حكم البراءة، لم يحاكم أي قاتل لأي قطة. فقررت القطط الانفجار.
عاشت القطط في مصر تتمشى داخل المستشفيات، وتستلقي في استرخاء في باحة مجلس الشورى، وتلهو في حمامات مجلس الوزراء، سواء مؤسسات خاصة أو حكومية أو مباني المحاكم، تعيش القطط في ألفة داخل أو بجوار أي مبنى في مصر، تخيل فقط حينما تتحول تلك القطط إلى قنابل. قفزت قطة في وجه رئيس الوزراء وانفجرت أحشاؤها وهى متشبثة بوجهه فانفجر وجه السيد الوزير ومات شهيد العمل، مشت رموز الدولة في جنازة عسكرية له. صرح خبير أمنى بأن ما يحدث هو ثورة القطط. وقالت شابة جامعية: يجب أن نصغو لمطالب القطط وتقديم القتلة لمحاكمات عادلة.
لمحاربة ثورة القطط التي لا نعرف من يقتلها، قرروا تنصيب الكلاب في السلطة لتخيف القطط، وبدأت المطاردات بين الكائنين آناء الليل وأطراف النهار، لكن على الكباري ظلت
متكدسة والقطط مبقورة البطون مشنوقة على الأعمدة، ورائحة النتانة تغرق المدينة. عذاب لا نعلم سبب إنزاله بنا.