سؤال عام 2016 هل السيرالية المصرية فرنسية أم عربية؟

نشرت في أخبار الأدب في يناير 2016

فجأة امتلأت الصفحات الثقافية المصرية بالمقالات التى تشيد وتثنى على ميراث الحركة السيرالية المصرية، بل وتؤكد على مصريتها وضرورة الاعتراف بهذا الميراث. مُبادرة لطيفة وإن أتت مُتأخرة ستين عاماً، وربما تكتمل لطافتها إذا أثمرت أى نوع من الاهتمام من جانب وزارة الثقافة المصرية بهذه الحركة وتراثها الذي كانت الوزارة أول من عمل على تهميشه ونبذة، بل ولدت  وزارة الثقافة المصرية في عهد الضباط الأحرار لأسباب كثيرة منها محاربة  استئصال تراث وأفكار الحركة السيرالية وتشريد مبدعيها وطمس تاريخهم، وهو ما نجحت الوزارة في فعله على مدار نصف قرن. فلم تكن السيرالية أبداً بالحركة الوطنية، دافع مبدعوها عن حرية الفرد وعن مفهوم عالمى للمواطنة، وحذروا من الفاشية التى هى ابنة المشاعر الفياضة للوطنية والدولة القومية، وكانوا كذلك جزء من المناخ المتنوع لغوياً وثقافياً وايدلوجياً التى عاشته مصر قبل يوليو 52، والذي لم يعد له مكان بعد ذلك في دولة الضباط الأحرار.

joyce-mansour-avec-andrc3a9-breton-circa-1960-dans-l-c3aele-de-la-citc3a9
جويس منصور وأندرية بريتون في باريس 1960

هذا الاهتمام بالسيرالية هذا العام هو نتاج للسباق والتنافس الذي انطلق بين مركز بامبيدو في باريس، وبينالي الشارقة في الامارات. حيث يتنافس الاثنان على تقدم تراث حركة السيرالية المصرية. المعرض الأول ينظمه سام بردويلي ويفتتح في سبتمبر القادم بمركز بامبيدو الثقافي بالعاصمة الفرنسية. وقد قضي بردويلي أكثر من ثلاث سنوات مع فريق من الباحثين لجمع تراث فنانى وكتاب وشعراء الحركة الموزع بين مصر وأوروبا.

المعرض الذي سعتبر الأضخم لم يكن بالامكان تنظيمه دون عرض لوحات رواد الحركة السيرالية والتى يقبع جزء كبير منها في مخازن وزارة الثقافية يعانى الاهمال والضياع. لهذا ففي نوفمبر الماضي زار وفد فرنسي وزير الثقافة حلمى النمنم والأخير وافق ببساطة وتلقائية شديدة على سفر الأعمال بصحبة المرممين وأطقم موظفي الوزارة دون أى مقابل مادى، أو اتفاق يفرض الشراكة المصرية أو الأقل يضمن إقامة المعرض في مصر.

 بعد العرض في باريس، يطوف معرض السيراليون المصريون أكثر من مدينة أوروبية دون أن يأتى للقاهرة. وستعود أعمالهم لتدخل مخازن الوزارة ويغطيها النسيان بينما ينسى الجميع صور الوزير مع الوفد الفرنسي واحتفاءه بالحركة والفن السيرالي.

** *

انتهت السيرالية مع صعود دولة يوليو، وفي مناخ فاشي أسست فيه الدولة وزارة الثقافة لم تنظر الوزارة بأى نوع من التقدير لأعمال السيراليين. أحد الحكايات التى توضح العلاقة التاريخية بين وزارة الثقافة والحركة السيرالية هى حكاية الفنان رمسيس يونان الذي أمام التضيق على المجال العام الذي مارسته دولة يوليو تقدم في أحد السنوات لنيل منحة التفرغ من قبل الوزارة. لجنة التحكيم التى كانت تضم عباس العقاد وأم كلثوم رأت أن أعمال رمسيس يونان التي كانت تعرض في أشهر قاعات العرض في باريس منذ الأربعينات ليست أعمال فنية، بل أن أم كلثوم قالت له أنه لا يجيد الرسم. وتمكن رمسيس يونان في النهاية من الحصول على المنحة كمترجم متقدماً بمشروع ترجمة لكتاب.

حينما توفيت بولا حنين حفيدة أحمد شوقي وزوجة جورج حنين، عرض الورثة التبرع بمكتبة جورج حنين في بداية الألفية لصالح الوزارة لكن لم يتلقوا أى رد، فتبرعوا بالمكتبة لصالح المركز الثقافي الفرنسي في المنيرة حيث تقبع مكتبة مؤسسة الحركة في مقر المركز بالمنيرة حتي الآن.

مع الاهتمام العالمى باعادة تقديم السيرالية المصرية هذا العام، لم يتعد موقف وزارة الثقافة ومساهمتها سوى التقاط الصور التذكارية مع المسئولين الفرنسيين والاماراتيين الذي اتوا لعقد الاتفاقيات مع الوزارة.

** *

لكن وكالعادة انقذنا الرز. مؤسسة الشارقة التى تشق طريقها لتصبح أهم المؤسسات الفنية المعنية بالفن الحديث والمعاصر في المنطقة لا ينافسها حالياً سوى متحف الفن العربي الحديث في قطر، قررت الدخول إلي معترك البحث عن تراث السيرالية المصرية، واختارات لهذه المهمة السودانى د.صلاح محمد حسن مدير معهد دراسات الحداثة المقارنة بجامعة كورنيل بأمريكا. والذي يعمل على إعداد وتجهيز معرض بعنوان “حين يصبح الفن حرية، السرياليون المصريون” والمقرر إقامته في مطلع عام 2017 في الشارقة، على أن يعرض جزء منه بعد ذلك في مصر.

الشارقة أيضاً وحينما حاولت تنظيم مؤتمر بحثي حول تاريخ الحركة السيرالية المصرية في نوفمبر الماضي، اتجهت للجامعة الأمريكية التى استضافت المؤتمر على مدار ثلاثة أيام.

لكن لماذا تهتم مؤسسة ثقافية إماراتية بإعادة الاعتبار لحركة فنية مصرية. الاجابة كانت في كلمة حور القاسمى مدير مؤسسة الشارقة للفنون التى أوضحت أن المؤتمر والمعرض جزء من مشروع ضخم تطلقها الشارقة لتوثيق الحركات الفنية العربية، وذلك كما أوضحت حور في كلمتها في نوفمبر الماضي بمؤتمر القاهرة: “كي نستطيع صياغة تصور لمستقبل أكثر غنى في منجزه الإبداعي وفي طاقته التعبيرية، مستقبل نتشارك جميعاً في رسم ملامحه، وفي إغناء وتعميق محتواه الإنساني، خارج المفاهيم والانتماءات الضيقة.”

** *

بالطبع لا مجال للانتماءات الجديدة في سوق الفن الذي تؤسسة دبي والدوحة الآن. فنظراً لصغر ومحدودية الأرشيف التاريخي والفني لهذه الدولة وحداثة مشاريع التنوير والحداثة فيها تسعى إلي تحويل متاحفها ومشاريعها الفنية إلي مستودعات تعكس أحياناً صورة افتراضية عن هوية عربية متخيلة، وأحياناً تتشبث بعالمية غير محددة المعالم.

في هذا الاطار وفي عالم السوق الحر ومادام حجا –وزارة الثقافة- ليس مهتماً بلحم ثوره فالافضل توجيه الثور لمن يعرف قيمته ويستطيع رعايته.

يتم تفريغ المتاحف المغلقة ومخازن الوزارة من كنوزها وتعرض للعالم في باريس ودبي والدوحة، والتراث المصري لا يجد مكاناً له في مصر، والوزير سعيد وفخور بالتقاط الصور مع الوفود الأجنبية، بينما الثقافة المصرية وتاريخها إلي ثور ونقطة صراع بين ممولين الثقافية الفرنسيين الذين يرغبون في نسبة تاريخ الحركة إلي الحقبة الاستعمارية الفرنسية وانجازاتها، وأخوة عرب يريدون نزعها من انتمائاتها الضيقة إلي فضاء عروبي مبتدع يغطون به على الثقب الاسود في هويتهم القومية. وفي هذا كله تقوم الوزارة فقط بدور أمين المخازن والسمسار الذي يوفر لصناع الفعاليات الثقافية العالمية والعربية الفرصة لاخراج هذا التراث من مصر وعرضه .

%d bloggers like this: