نشرت في مجلة هيابتيا 2014
نانسى منير موسيقية وعازفة من أبرز أعمالها مؤخراً توزيعها لأغاني ألبوم دينا الوديدى الأخير “تدور وترجع”. إلي جانب ذلك فالوجه الخفي لنانسي هو عضويتها لفريق “ماسكار” ثلاث فتيات يغنين موسيقي الروك والميتال بالعربية والانجليزية من خلف أقنعة لا تظهر وجوههن ظهرن مرة واحدة في فيلم “ميكرفون” للمخرج أحمد عبد الله.
أحيي ويحيي فريق ماسكار عشرات الحفلات في الخارج، ومن الغريب أن هذا الفريق يحظى بتقدير على المستوى الأوروبي والخارجي بينما هنا لا يعرفه أحد. والسبب أنهم لا يجدون مكاناً يمكنهم تقديم موسيقاهم فيه.
في كل مرة يكون عضوات الفريق على وشك الاتفاق مع مكان لإحياء حفل لهم، يسألهم السؤال الذي يصيبهم بالاختناق والضيق :”هتغنوا ميتال؟”. حالياً لا يغنى عضوات الفريق الكثير من أغانى الميتال، لكن مجرد ظهور السؤال يجعلهن ينسحبون لأنهن يشعرن بالضغط الثقيل لتلك الرقابة الجاهلة.
بعد ثورتين وربما انقلابين، فموسيقي الميتال تظل هي الموسيقي الملعونة المنبوذة من المشهد المصري. في منتصف التسعينات تم إلقاء القبض على مجموعة من الشباب من محبي الاستماع لموسيقي الميتال واستغلت القضية إعلامياً تحت عنوان “عبدة الشيطان”. تم تسليط الضوء على ملابس الشباب وقصات شعرهم، والغموض واللون الأسود المميز لثقافة وموسيقي الميتال لرسم صورة شيطانية للشباب، والتنكيل والتشهير بهم، ثم تم نبذ موسيقي الميتال. وطوال هذه السنوات حتي الآن لم تظهر تلك الموسيقي وفرقها على أي من مسارح الدولة، وفي كل مرة يتم تقديمها على أحد المسارح الخاصة تتم مراجعة فقرات الحفل وكلمات الأغانى من قبل المنظمين وهناك تحذيرات وتوجيهات لرفض أغانى معينة، بل يصل الأمر إلي مطالبة بعض الفرق بعدم استخدام بعد التكنيكات الموسيقية والصوتية كالعواء أثناء الغناء أو طبقات الصوت الوحشية.
مؤخراً في حديث مع نانسي أخبرتني أنهن يفكرن في حفلة أونلاين، سيجتمع الثلاثة في أحد منازلهن، يفتحن كاميرا الكمبيوتر وفي بث حي على الانترنت سيقدمن الحفلة التي طالما تمنين تقديمها للجمهور في مصر.
نحن نحاصر أكثر فأكثر، والعالم الافتراضي أصبح هو العالم الواقعي، حتي الحفلات في هذا الوادي الضيق والبلاد المختطفة لم يعد من مكان لها إلا الانترنت، نخسر الأراض يوماً بعد يوم لأسباب متعددة لا تتعلق فقط بالسلطة العسكرية بل تتداخل معها أسباب أخري متنوعة.
***
تهتم الحكومة مؤخراً بمكافحة التحرش بسبب توجيهات المشير السيسي غالباً، أو بسبب أن الأمر تحول لشهرة عالمية ترتبط باسم مصر. المهم أن كل أسبوع هناك مهرجانات واحتفالات ومارثون بالدراجات تحت العنوان السابق. أحد هذه المظاهر الدعائية مهرجان موسيقي ضد التحرش أعلنت دار الأوبرا عن استضافته في مسارحها.
كان من المقرر أن يجمع المهرجان بين عدد من فرق الموسيقي البديلة منهم مسار إجباري وفرق شبابية آخري، إلي جانب حضور خاص للسادات، وعمرو حاحا. في سابقة تعد الأولي من نوعها لدخول موسيقي المهرجانات لحرم دار الأوبرا. لكن مع الإعلان عن التظاهرة بدأ جمهور الأوبرا وجمهور الفرق الأخرى في إبداء اعتراضهم على مشاركة السادات وحاحا. والسبب لأنهم يرون أن موسيقي الفرق المستقلة تقدم فن هادف قيم، بينما المهرجان ابتذال للموسيقي والفن. طالت التعليقات موسيقي المهرجانات وجمهورها أيضاً واحتوت على إشارات تحقيريه وطبقية حول كيف أن جمهور موسيقي المهرجان غير مؤهل لدخول الأوبرا.
لكن السادات ومجموعته كان ردهم في بيان منشور على صفحتهم، بأنهم يعتذرون عن الغناء في الأوبرا أو في تلك الأماكن حتي لا يضايقوا أحد.
***
سواء كنت مغنى مهرجانات، أو مغني ميتال فالبحث عن مسرح أو فضاء للغناء يظل عملية تطلب الكثير من الصراعات، والحيل والتنازلات كل هذا من أجل رفع الصوت بالموسيقي.
يحتاج المغني في مصر أولاً إلي ترتيب أمورها مع نقابة الفنون الموسيقية. وهذا الترتيب يأتي من خلال أما أن يكون عضواً، وأما أن يكون لديه وسيلة لرشوة مسئولي النقابة الذي يزورون الأماكن الثقافية والمسرحية ويفرضون على شباب الموسيقيين والمغنيين الذي أحياناً ما يقدمون تجاربهم الأولي “أتاوات” ليسمحوا لهم بالعزف والغناء. الحصول على عضوية النقابة مسألة معقدة أيضاً فهناك ثلاثتصنيفات أما أن تغني بالعربي الشرقي أو الغناء الأجنبي، أو “مونولوجست” ويخضع المتقدم لعضوية النقابة لتحديد وتصنيف ما يقدمه تحت تصنيف من الثلاثة. لكن ولا تصنيف من هذه التصنيفات يشمل الراب أو الموسيقي الإلكترونية. تعيش النقابة في زمن الديناصورات ويعيش المغنيون في زمن المستقبل. وفي الفجوة الزمنية بين الاثنين يقع الجمهور الذي يبحث عن مكان له يستمع فيها لما يفضله ما يطربه وما يحركه. لكنه يجد المسارح والفضاءات الثقافية التي بنيت بأمواله ليست ملكه أبداً.
مسارح الدولة وقاعاته لا يوجد قوانين ولوائح ثابتة تديرها، كمان أنه يتم تخصيصها بشكل تلقائي للفرق التابعة لوزارة الثقافة والدولة. وتلك الفرق بدورها فمفروض عليها أن تقدم وتعكس ما تفهمه الدولة عن الموسيقي والعروض الفنية. والنتيجة نشهدها في مسارح الدولة المختلفة حيث عشرات الفرق كل مهمتها إعادة تقديم وغناء أغانى أم كلثوم تحت دعوى أن هذه هي الموسيقي العربية. أو ارتداء ملابس ذات طابع فلكلوري وتقديم العروض التي تكرر تقديم الصور النمطية حول الهوية والوطن وتاريخه.
المسارح الخاصة والأماكن الثقافية الأخيرة تتم معاملتها معاملها الكباريهات والأماكن الترفيهيه وخلال العقد الأخير أغلقت عشرات المسارح الخاصة بسبب زيادة الضرائب المفروضة عليها. أما المسارح الأخرى ذات الطبع الثقافي فلديها قائمة طويلة من المحاذير والتوجيهات المفروضة عليها. مسارح الساقية على سبيل المثال هناك قطاع كامل من الفنانين ممنوع من الغناء عليه. وقبل صعود أي فنان إلي المسرح تعرض عليه قائمة بالممنوعات والمحاذير التي تشمل الغناء السياسي، والألفاظ التي يصنفونها كألفاظ خارجة. بل والأغرب يفرضون غرامات على الفنانين في حالة استخدامهم لبعض الكلمات. مغنى الراب “ام.سي. أمين” على سبيل المثال تعرض ذات مرة لخصم جزء من أجرها نتيجة أن جمهور الحفلة كان يردد كلمة “أحه” كجزء من أحدى أغنياته.
وسط هذه تخسر الموسيقي والغناء المصرية مساحات من أرض الواقع، تنسحب الموسيقي الحياة إلي واقع افتراضي على الانترنت. ربما لهذا تنمو مؤخراً الموسيقي الالكترونية على مستويات وتجارب متعددة بداية من فنانى المهرجانات وحتي توجه الكثير من المغنيين الشباب إلي الموسيقي الالكترونية حيث تختفي المساحات من أرض الواقع وتتم مصادرتها ولا يبقي غير ضجيج الذبذبات الإلكترونية